الطباعة في المغرب :
الطباعة في اللغة من فعل طبع الشيء طبعا،و طباعة اي صاغه
وصوره في صورة ما. وطبع الكتاب : أي أنتج منه نسخا بواسطة الطابعة او المطبعة ،التي
هي آلة الطباعة للكتب و غيرها.و المكان المعد لطباعة الكتب يسمى المطبعة.[1]
و المقصود بالطباعة"عملية نقل الحروف و الرموز أو الرسوم عن طريق الضغط فوق
الورق او غيره من المساحات القابلة للطبع باستعمال مواد معينة كالحبر و الصمغ
الزيتي"[2]
وإذا كانت الصين يعود لها
الفضل في اكتشاف صناعة الورق ، فان هذه الاخيرة هي صاحبة السبق ايضا في التجارب الأولى
للطباعة بما سمي بطباعة القوالب الخشبية[3]
،فإن الألماني يوهان كوتنبرغ[4]
(1397م-1468) في مسقط راسه بماينس الألمانية[5]،
أفلح في اكتشاف أول آلة للطباعة و ذلك في أواسط القرن الخامس عشر وهي آلة ذات
مميزات تقنية فعالة. هذه المميزات اهلتها
لان يصنفها الباحثون على انها الحدث المفصلي الذي يؤرخ لبداية الطباعة في العالم.و
فاقت بكثير اساليب الطباعة السائدة انذاك - الطباعة بالقوالب الخشبية- التي لم
تستطع حل الاشكال الذي كان يطرح بحدة الا و هو الانتاج الواسع و الصناعي للكتاب.
إرهاصات دخول الطباعة إلى المغرب.
لقد ظهرت الدعوة إلى إدخال المطبعة إلى
المغرب منذ سنة 1845م على لسان محمد الصفار,وكانت دعوته تلك ضمنية من خلال النص
التالي=(وهي أيضا من أعاجيب الصنائع,ويوم الخميس ثالث عشر الشهر ذهبنا لدار طبع الكتب المسماة بالاصطنبا.)[6]
أما الدعوة الثانية فكانت على لسان السفير
الحاج إدريس بن محمد بن إدريس العمروي الفاسي عقب عودته من سفارة إلى فرنسا سنة
1860,وكانت الدعوة هذه المرة صريحة من خلال النص التالي الوارد في كتابه "تحفة الملك العزيز
بمملكة باريز"=(وهذه الآلة التي اتخذوها للطبع هي ي كل الأمور عامة
النفع,معينة على تكثير الكتب والعلوم,وأثرها في ذلك ظاهر معلوم,وقد اتخذوها في
جميع بلاد الإسلام,واغتبط بها مشاهير العلماء الأعلام,ويكفيك من شرفها وحسن موقعها
رخص الكتب التي تطبع بها ...مع جودة الخط وإيضاح الضبط...ونطلب من الله بوجود
مولانا أمير المؤمنين أن يكمل محاسن مغربنا بمثل هذه المطبعة ويجعل في ميزان حسناته
هذه المنفعة...)[7]
بل إن محمد المنوني تحدث عن دعوة سابقة صاحبها رحالة
مغربي اسمه "الشيخ محمد الفاسي." والذي وقف سنة 1801م على مطبعة الحملة
الفرنسية بالقاهرة,وأبدى إعجابا شديدا بها.[8]
ويعتقد البعض أن دخول المطبعة إلى المغرب يعود إلى حوالي
1516م على يد دافيد يوسف أبو درهم الذي كانت له مطبعة يديرها صمويل بن إسحاق
نيفادوت وابنه إسحاق,والتي استمرت في العمل إلى سنة 1524م وأنتجت خمسة عشر كتابا
على الأقل.[9]
2)قصة دخول المطبعة
للمغرب.
لقد تأخر دخول
المطبعة إلى المغرب إلى غاية سنة 1864م .ويرى الكثيرون أن السبب يعود لعدة عوامل أهمها:
*رفض العديد من العلماء
المغاربة لاستخدام الطباعة خوفا على القران الكريم مما قد يلحقه من تصحيف لكلماته أو
تحريف لنصه ورغبة في المحافظة على الخط المغربي(الذي كتبت به أقدم نسخ القران
الكريم)[10]
وكذلك لارتباطه بالمذهب المالكي.
*احتكار مهنة النسخ من طرف مجموعة أفراد منتمين
للمخزن وفئة العلماء والأسر العريقة ,والتي مكنتهم من الرقي في السلم الاجتماعي
والهيمنة على الوظائف المخزنية ,فكانوا يرون في دخول المطبعة تهديدا لمصالحهم
المادية والمعنوية.
*استغناء المغرب عن المنافع التي يمكن
استخلاصها من تكنولوجيا الطباعة مادام إنتاج المخطوطات كان مزدهرا قبل 1865م.
إلا أن الأستاذ مصطفى بن عمر المسلوتي يرى أن السبب الحقيقي لهذا التأخر هو عدم دخول
الطباعة ضمن اهتمامات المخزن خلال هذه الفترة نظرا للمشاكل التي كان يعيشها المغرب
على المستوى السياسي و الاقتصادي والاجتماعي بعد هزيمتي اسلي 1845م,وتطوان
1860م.يقول الأستاذ المسلوتي (إن أهم سبب أدى في نظري إلى تأخر دخول المطبعة الى
المغرب يعود إلى أنها لم تكن في سلم الأولويات عند المخزن وموظفيه.) [11]
ان الدخول الفعلي للمطبعة إلى المغرب جاء نتيجة لمجهود
فردي للقاضي الطيب بن محمد التملي الروداني وهو(عالم متمكن اخذ من فاس,ثم كان ينوب
عن أبيه ما شاء الله,ثم تولى القضاء بعد أبيه ,وكان يدرس ويداوم على ذلك.توفي سنة
1282ه.)[12]
لقد عرج القاضي الطيب الروداني على مصر بعد عودته من
الحج سنة 1280ه, فاشترى مطبعة حجرية(الليتوغرافية)[13]
,واستقدم معه طبيعا مصريا يدعى محمد القبانى بن إبراهيم المصري للاشتغال عليها والإشراف
على تدريب مغاربة وتمرينهم على تقنيات الطباعة وذلك لمدة سنة كاملة مقابل تحمل
القاضي الطيب الروداني لكل لوازمه من أكل وشرب وملبس ونفقات رحلة عودته إلى
مصر.وقد ورد كل هذا في عقد مبرم بينهما بتاريخ 14 ربيع الأول سنة 1281ه[14].لم
يكن اختيار الروداني للمطبعة الحجرية محظ صدفة او اعجاب فقط بل املته مجموعة من
الاعتبارات عكست قدرة الرجل على تمثل الوضع الثقافي في المغرب حيث ان هذا النوع من المطابع(رغم ان المطبعة
السلكية اكثر تطورا من الحجرية) يتميز بمميزات منها:
_سهولة الاشتغال عليها و لاتستدعي امكانات تقنية كبيرة. _تحافظ على
اصالة الخط المغربي ,حتى انه يصعب التفريق بين المنسوخ و المطبوع. _توفر المواد للاشتغالها
محليا و يمكن جلب بعضها من المشرق عكس المطبعة السلكية التي تحتكر اروبا
تقنياتها.
_كون هذه
المطبعة جربت في العالم الاسلامي خلال القرن 19 قبل ذلك.
_واهم هذه المميزات ان المطبعة الحجرية لاتقضي على فئة اجتماعية مهمة هي
فئة النساخة.
3)المخزن والطباعة.
ان علاقة المخزن بالطباعة بدأت منذ انتقال مطبعة
الروداني إلى السلطان محمد الرابع,وهذا الانتقال له تفسيران:
* أن الطيب الروداني
قدم المطبعة هدية للسلطان محمد الرابع,وهذا ما أورده عبد الرحمان بن زيدان
في"إتحاف أعلام الناس" حيث يقول (فان الروداني قد قدم المطبعة هدية إلى
السلطان محمد بن عبد الرحمان.)[15]
*المصادرة: وهذا الموقف تبناه فوزي عبد الرزاق في
قوله(لان المخزن لم يسمح في شهر شتنبر1864م بان تتجاوز الآلة المطبعية حدود مكناس
التي كان السلطان يقيم فيها وقتئذ.[16]),وبصيغة
مباشرة يقول (كل ما في الأمر هو أن المخزن أقدم على مصادرة الطباعة.)[17]
وسواء تعلق الأمر بالإهداء او المصادرة,فان المطبعة
انتقلت إلى يد المخزن,وأصبحت تحت إشرافه لتكتسي طابع المشروع الرسمي. وتبدأ
بذلك المرحلة الأولى من مراحل التدخل المخزني في موضوع الطباعة والتي سيتخذ خلالها
المخزن إجراءين هامين حتى ينجح في مهمة الإشراف على مؤسسة الطباعة.وتمثل إجراء في
اختيار "جزاء برقوقة"في مدينة فاس موضعا للمطبعة ,وهذا الاختيار لم يأت
اعتباطا بل بناء على اعتبارات واقعية أهمها قربه من وادي فاس الذي سيوفر الماء
الضروري لأعمال الطباعة,وقربه من السوق المجاور لجامع القرويين,كما أن الموقع قريب
من حي مخفية الذي يقطنه جل علماء فاس مما ساعد على الاستفادة من خبرتهم.أما الإجراء
الثاني الذي اتخذه المخزن في تعيين
العمال الضروريين لتشغيل المطبعة,حيث تم تعيين كاتب ملكي هو محمد بن سليمان[18]
ومصحح واحد من درجة عالية هوابو حفص عمر الرندي[19]
إضافة إلى عشرين معاونا تم اختيارهم من بين المتعلمين المنتمين لأسر الأعيان وتم تدريبهم
على فن الطباعة,ليتشكل منهم الأعوان و
المسفرون,وكان من أشهرهم محمد الطيب الأزرق. وقد تكفل المخزن بأداء اجورهؤلاء
العمال,حيث كان الطبيع المصري القياني يحصل على 650 مثقال كل شهر,والمصحح والكاتب
300 مثقالا كل شهر,بينما كان المعا ونون العشرون يحصلون على 70 مثقالا لكل واحد
منهم,كما كان كل العاملين بالمطبعة يتوصلون بكسوة جديدة كمكافأة سنوية[20]
,كما كان المخزن متكفلا بأداء واجب الكراء,وجلب المواد الضرورية من حبر وورق
واحجارطباعية وغيرها[21]
,وحاول المخزن فتح أسواق جديدة لترويج الكتاب,حيث ورد أن السلطان محمد بن عبد
الرحمان أمر ابنه مولاي الحسن بفتح متجر بمراكش للإشراف على توزيع الكتب بالمدينة
واحوازها[22] , وكان الأمير
مولا ي الحسن يرفع تقارير لوالده يطلعه من خلالها على سير أعمال توزيع وبيع الكتب
سواء في الدكان الذي يشرف عليه الأمير أو أماكن أخرى في مراكش[23]
,وسيجبر المخزن تحت إكراه ثقل مصاريف مؤسسة الطباعة إلى التخلي عن تسييرها
لفائدة الخواص خاصة بعد رحيل الطبيع
المصري سنة 1871م[24].
المرحلة التانية للتدخل المخزني في موضوع الطباعة هي
مرحلة استخدامه للطباعة كأداة دعائية ,إذ رغم تخلي المخزن عن تسيير المطبعة فانه
حرص على الاستفادة من تكنولوجية الطباعة حسب المناسبات. ومن أهم الأمثلة على ذلك إقدام
الحسن الأول على طبع نسخ عديدة من كتاب إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء
علوم الدين لمؤلفه مرتضى الزبيدي سنة 1882م[25]
,والسبب يتجلى في كون الزبيدي ذونسب شريف ,وله أتباع كثر في المغرب باعتباره من
اكبر رجالات التصوف.أما السبب التاني فكان خارجيا حيث سعى الحسن الأول صد
الانتقادات الموجهة من الأوروبيين لحركاته التي احكم من خلالها سيطرته على جل
القبائل المغربية في مختلف أنحاء البلاد حيث صدرت مثلا في القاهرة عن مراسل من
تونس انتقادات لحركات الحسن الأول ورد فيها (بقي متماديا في شانه ,يقاتل رعاياه
ويبتز أموالهم التي حرم الله.)[26]
فعمل الحسن الأول على توزيع نسخ من المجموعة الثمينة[27]
على العلماء في كل من مصر و الحجازو استنبول الأمر الذي أثار اهتمام الأوروبيين حيث اعتبروا ذلك مؤشرا
على انفتاح الحسن الأول على انفتاحه غلى العالم الإسلامي للحصول على المساندة لوقف
التدخل الأوروبي في شؤون المغرب[28]
.
لقد كانت البدايات الأولى لاستعمال الطباعة من اجل
الدعاية متواضعة,إلا أن نهاية القرن 19م سيشهد استعمال المغاربة كأداة أساسية
للدعاية داخليا و خارجيا.
المرحلة الثالثة للتدخل المخزني في الطباعة يتجلى في عمل
المخزن على تقنين وتنظيم الطباعة من خلال إصدار
السلطان مولاي عبد العزيز لظهير8 فبراير 1897م.[29]
والذي عكس ثلاث اتجاهات:
*الاتجاه الأول يتعلق بتكليف محتسب مدينة فاس بالتردد
على الطابعين للتأكد من جودة منتجاتهم,مما يعني عدم دخول تغيير على دور المحتسب
منذ عصر المخطوطات والمتمثل في مراقبة جودة المنتوج.[30]
*الاتجاه التاني خاص بحماية حقوق الناشرين الذين كانوا
يريدون تحقيق الأرباح داخل سوق تشتد فيه المنافسة حيث فرض الظهير المذكور على
الطابعين ضبط تواريخ الكتب المكلفين بمهمة طبعها وأسماء الطابعين والناشرين,حتى
لايلحق الطابعون والناشرون الضررببعضهم البعض. وقد نصت التقنينات على:
-ألا يطبعوا لأحد كتابا تقدم طبعه إلا بعد مضي عامين من
تاريخ طبعه.
-ألا يزيدوا على العدد الذي أوجروا عليه نسخة لا لهم ولا
لغيرهم.
-أن يلزم المشترون الذين يروجون في بيع الكتب...عدم
شرائها من المعلمين المباشرين للطبع.[31]
*الاتجاه الثالث يثمثل في ظهور الرقابة في مجال الطباعة
بالمغرب حيث يقوم موظفون رسميون بفحص الكتب ومراقبتها قبل النشر للتأكد من خلوها من
كل ما هو مناف للأخلاق والدين وكان القاضي مكلفا بمنح الترخيص للناشرين والطابعين
قبل نشر الكتب وإصدارها.
ظل المخزن يحتكر الطباعة في خلال تلك الفترة الى حدود
سنة 1871, (انتج خلالها ست عناوين فقط) جلها ذات طابع ديني تعليمي اشرف الحسن
الاول على تسويقها في دكان خاص او في اماكن اخرى بمراكش. وفي هذا الاشراف الاميري
تتضح الاهمية القصوى التي اولاها المخزن للطباعة و الكتاب بشكل عام حتى انها كانت
موضوع مراسلات بين الامير ووالده محمد الرابع.غير ان المخزن رغم كل ذلك الاهتمام
تخلى عن طبع الكتب لصالح الخواص منظما (مقيدا) هذا العمل بظهير7 فبراير1897[32]،
ينظم طبع الكتب ويهدف الى التحكم في اعمال
الطبع وكل ما يطبع حيث كانت اهم بنوده الحصول على رخصة مخزنية قبل القدام على طبع
اي كتاب. فظهر بذلك طباعون كثر وشهدت اعمال الطباعة تطورا ملحوظا رغم انه كان كميا
فقط في هذه المرحلة من امثال:الطيب الازرق
الذي يوصف برائد الطباعة في المغرب.. قبل ان يعيد المخزن .
أما المرحلة الثانية والأخيرة من التدخل المخزني في
الطباعة فيتجلى في عودة المخزن للإشراف على الطباعة. لقد تزايدت درجة الوعي بأهمية
تكنولوجية الطباعة في نشر مختلف وجهات النظر
السياسية مع تزايد طرح العديد من القضايا على صفحات الكتب و الكراريس.وفي سنة
1904م سيعمل المخزن على إنشاء أول جريدة مغربية عملت اسم لسان المغرب[33]
في طنجة بعد إقناعه للصحافيين اللبنانيين فرج و ارثور نمور بالإشراف عليها وذلك
للرد على جريدة السعادة التابعة للمفوضية الفرنسية التي كانت تعرض تفاصيل القضايا
المتعلقة بالسياسة الداخلية للسلطان. وعندما تولى السلطان مولاي عبد الحفيظ قام
بشراء آلة الطباعة التي كان يستعملها الأخوان نمور وفككها ونقل أجزاءها إلى مراكش[34]
.ورغبة منه في كسب تأييد الرأي العام المغربي لوجهات نظره وأفكاره,ومراقبة الطباعة
و جعلها مسخرة لخدمة أهدافه وأغراضه,عمل السلطان مولاي عبد الحفيظ على تأسيس دار
للطباعة الحجرية بفاس بنفس موقع المطبعة
المخزنية الأولى "جزاء برقوقة"بفاس إضافة إلى دار للطباعة التيبوغرافية (السلكية)بالقصر
السلطاني[35] .هذا
القرار الأخير كان بمثابة إعلان عن بداية نهاية الطباعة الحجرية التي دخلت في
مرحلة الموت البطيء إلى أن قامت السلطات الفرنسية بتحطيم آخر آلة للطباعة الحجرية
سنة 1946م.
3)العلماء والطباعة.
عندما كان المخزن يشرف على الطباعة لم يسجل اي اعتراض من طرف العلماء,لكن
بعد انتقال الإشراف عليها إلى القطاع الخاص ظهر العالم محمد السباعي الذي اتخذ
موقفا حازما وصارما من المطبعة " فألف رسالة في المؤلفات الخطية و التحذير من الكتب المطبوعة، و بيان
أنها سبب في تقليل الهمم، و عدم حفظ العلم و نسيانه" [36],وقد
كان معروفا بمواقفه المتصلبة من تصرفات رجال المخزن وموظفيه,وكان مستاء من لجوء
الطلبة إلى استعمال النصوص المطبوعة بدل الاستمرار في الاعتماد على معرفة العلماء.
لقد أثرت الطباعة على حياة العلماء وأحدثت تحولات في مساراتهم,فلعبوا أدوارا
مختلفة في ميدان الطباعة نعرض لها كما يلي:
*العلماء
وأعمال النساخة.
تميز عصر الطباعة بالحرص على مراقبة الجودة في أعمال
النساخين متجاوزا بذلك الطريقة التقليدية عندما كانت عملية نسخ النصوص تخضع
لقوانين جامدة.فأصبح النساخون مسؤولون أمام المصححين و الناشرين الذين يراقبون أعمالهم لبلوغ مستوى الضبط
و الدقة[37]
.وقد كان النساخون منقسمين إلى ثلاث فئات:
- من كانوا نساخين فقط.[38]
- من جمعوا بين النساخة و التصحيح في آن واحد.[39]
- من
جمعوا بين النساخة و التأليف.وكانت أعمالهم لا تحتاج إلى تصحيح.[40]
*العلماء
وأعمال التصحيح.
لم تكن عملية التصحيح في العهود التقليدية ترقى
بصاحبها أبدا إلى مستوى التخصص في مهنة مستقلة,وكان الهدف منها انجاز نسخ خالية من
الأخطاء,مع إضافة بعض التوضيحات أو الشروح في الهوامش.أما في عصر الطباعة فقد ظهر
مصححون محترفون أصبحوا يشرفون على مراقبة عمل النساخين واختيار الكتب التي يجب
طبعها والعمل على حمايتها وضمان استمرارها.بل أصبح المصححون يمتلكون القدرة على
توجيه مختلف الأنشطة الفكرية والتربوية توجيها تاما.
*العلماء
والتأليف.
يعد التأليف الإسهام الثالث للعلماء المغاربة في
مجال الطباعة,حيث كانوا يعملون على كتابة ما يسمى التقريظ الإشادة بأعمال المؤلفين
وتوجيه الإطراء والمديح لهم,وقد كان التقريظ محصورا في عصر المخطوط في العلماء
الذين يعيشون في المدن,إلا انه أصبح في عصر الطباعة الحصول على تقريظ العلماء ميسرا داخل المدن أو
خارجها.بل إن التقريظ تحول فيما بعد إلى وسيلة للدعاية والإشهار سواء للكتب و
المؤلفين أو للعلماء أنفسهم الذين ضمنوا إلى جانب ذلك لأنفسهم الحصول على المكافآت,مع
الحصول مجانا على نسخ من الكتب التي
يقرظونها.
*العلماء و أعمال النشر
من بين إسهامات العلماء في ميدان الطباعة نجد
النشر حيث كانت الغالبية العظمى من
العلماء قد مولوا منشوراتهم الخاصة بأنفسهم[41]
رغم أنهم لم يكونوا يشيرون الى ذلك حفاظا على مكانتهم,وقد يكون العديد منهم لم
يعرضوا مؤلفاتهم للبيع,و إنما استبدلوها بكتب أخرى مع علماء آخرين بسبب ممارستهم
لمهام متعددة كأحمد الناصري.[42]
انتاج
الكتاب المطبوع بالمغرب:
شهد
انتاج الكتاب المطبوع بالمغرب من( 1865 الى 1912 )نوعين من الانتاج الطباعي،
مطبوعات حجرية بدأت في 1965 الى حدود سنة 1944 ومطبوعات سلكية ابتدات في 1905
تاريخ ادخال المطبعة السلكية إلى المغرب، و على العموم يمكن تقسيم تطور الإنتاج
الى ثلاث مراحل أساسية ،اتسمت بالإختلاف من ناحية الكم من جهة ومن ناحية النوع من
جهة ثانية:
1) خلال
فترة السيطرة المخزنية على أعمال الطباعة اتسم إنتاج الكتاب المطبوع بالقلة من حيث
الكم (ففي الفترة الأولى للسيطرة المخزنية لم يتم طبع الا ست عناوين في ست سنوات[43])
ومن ناحية النوع فلم تتجاوز المواضيع المطبوعة كتب الفقه و الدين الموجهة أساسا
الى المؤسسات التعليمية التقليدية كجامع القرويين.
2) فترة تخصيص المطبعة ونقلها الى يد الخواص :ارتفع إنتاج المطبوعات
الحجرية الى ما يناهز 680 عنوانا[44]
وهو ارتفاع كبير بالمقارنة مع ما طبع في الست سنوات الأولى من عمر المطبعة بالمغرب
إلا ان هذا الارتفاع في العدد لم يصاحبه تنوع من حيث المواضيع حيث ظلت الكتب
الدينية و الفقهية و اللغوية الأدبية اضافة الى بعض كتب الحساب هي السائدة.
3) الفترة الاستعمارية :شهدت هذه الفترة تطورا كبيرا في الطباعة
المغربية حيث بلغ مايقارب 800عنوان كما
ظهرت أنواع جديدة من الانتاج المطبعي في المغرب كالصحف و المجلات و كتب
الاطفال،وانتاج فكري في حقول معرفية جديدة كالفن و الموسقى و الرياضة و الكتاب
المدرسي بمعناه الحديث ...وهذا التحول في الحقيقة يعكس تحولا في المجتمع المغربي
بظهور طبقة اجتماعية جديدة –"برجوازية "– انفتحت على الثقافة الأوروبية وأقبلت
على استعمال وطلب الكتاب كما ظهرت المدارس
الحديثة و ارتفع الطلب على الكتاب في كل الحقول المعرفية و الأدبية و الفنية .
انعكاسات الطباعة في المغرب:
على المستوى السياسي: لعبت الطباعة دورا حاسما في التطورات السياسية
التي شهدها المغرب خصوصا في نهاية القرن19 الى دخول الإستعمار، حيث شكلت أداة
مثالية لترويج الأفكار السياسية المختلفة ومن أهم محطات تاثير المطبعة على الأحداث
السياسية:
-
استعمل المخزن الطباعة كأداة ناجعة للدعاية السياسية .و في نفس الوقت
سعيه في الإستحواذ عليها و التحكم فيها والحيلولة دون سقوطها في أيدي غيره. واستعمالها
في مواضع سياسية حساسة كمسألة بيعة المولى
عبد العزيز .
-
استعمال الطباعة من أجل الترويج السياسي لماوقف معينة من قبل شيوخ
الزوايا كالشيخ ماء العينين والذي بفضل الطباعة انتشرت مؤلفاته التي تدعو الى
مجابهة المستعمر كما حاول توحيد الطرق الصوفية المختلفة وراء هذا الهدف، و الدفاع
عن الاسلام ضد ما تروجه الكتب و الجرائد
الأروبية.
-
ساهمت الطباعة في نشر الأفكار الإصلاحية حيث ارتفعت درجات الوعي
بالواقع المغربي في هذه الفترة الحاسمة في تاريخ المغرب من خلال المنشورات
المختلفة في جميع اوساط المجتمع المغربي و انقسمت هذه الافكار سياسيا بين المحافظة
الرافضة لكل تعامل مع الاروبي و ثقافته، والمجددة الإصلاحية التي تقبل جزئيا ما
تمثله الثقافة و الحضارة الأوروبية.
-
لعبت الطباعة ايضا دورا فعالا في دحض المناهضين للمخزن ،و في مختلف
الصراعات السياسية في المجتمع المغربي
كثورة بوحمارة مثلا حين وزعت مناشير تهذر دمه و تحرض على قتله.[45]
-
استعملت السلطات الاستعمارية المطبعة لتحقيق أغراضها الاستعمارية فأنشئت
مطابع موالية لها بطنجة كانت تصدر منها منشورات تروج لرسالتها "الحضارية الإصلاحية
"في المغرب و التمهيد لسيطرتها على المغرب. وبعبد فرض حمايتها استعملت
المطبعة في إخضاع المقاومة والترويج لسياسة التهدئة.
الانعكاسات الثقافية:
لعبت حركت الطبع دورا أساسيا في الحركة الثقافية و الممارسة الثقافية
في المغرب وقد أدى تاخرها الى تاخر و بطء التطور الثقافي في المغرب ، ومنذ ظهور
الطباعة بدأت الثقافة المغربية تعرف نوعا من الحركة والدينامية أدت الى احداث
تحولات ثقافية مهمة خصوصا على المستوى التعليمي[46]
:
-في الميدان التعليمي : تمكنت المطبعة من احداث ثورة في البنية
التعليمية التقليدية بتوفيرها للكتاب المدرسي وبالتالي تنشيط الحركة التعليمية و
تطويرها وتنويع موادها وعلومها وتبسيط مناهجها وتوسيع دائرتها. لقد ساهمت المطبعة
في توفير الكتب للمتمدرسين ونشر التعليم العصري الاكثر انفتاحا على العلوم
الحديثة،فبدات حركة التعليم انطلاقتها وتعممت مراكز التعليم بفضل الاعداد المهمة
من الكتاب المطبوع.[47]
- ادى ارتفاع الطلب على الكتاب المطبوع الى ارتفاع حركة التاليف بالموازات
مع نشاط المطابع, حيث ارتفعت عدد المطبوعات كما ونوعا، تداخلت في هذا
الارتفاع حوافز الناشرين المادية و بواعث السياسين و العلماء السياسية و العلمية.
الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية:
لم يقتصر تاثير الكتاب المطبوع على الجانبين السياسي و الثقافي فقط،
بل امتد تاثير الكتاب المطبوع إلى المجالين الإقصادي في علاقته بالإجماعي:
-فبمجر دخول الطباعة و انتشارها في المغرب لم يعد الكتاب تلك المادة
الثقافية فحسب ،بل أضخى سلعة تجارية تذر فائضا ماليا، مما جعل الطباعة تنصهر في
الميدان الإقتصادي وأسلوبا جديدا على الإقتصاد المغربي التقليدي. فشكلت بذلك مؤسسة
اقتصادية تدمج مجموعة من المهن التقليدية –النساخة-مع العصرية(الآلات) تسهر على
انتاج الكتاب كسلعة تجارية تخضع لمبدإ العرض و الطلب. فاقحمت بذلك العلماء في
ميدان الإقتصاد و التجارة حيث أصبح الإنتاج الفكري إنتاجا اقتصاديا ايضا واستطاع
الكثير منهم من تمويل نشر مؤلفاتهم و توزيعها بأنفسهم فأصبحوا الى حد ما من صغار
"الرأسماليين".[48]
وساهم انتاج الكتاب المطبوع في خلق أنشطة اقتصادية و تجارية جديدة، نتجت عنها فئات اجتماعية جديدة بعد أن
وصل الكتاب الى فئات عريضة من القراء ،و فتحت أسواق جديدة للكتاب و امتد التوزيع
الى جميع المراكز و المدن المغربية، اصبحت معها الطباعة بجميع مراحلها نشاطا
اقتصاديا مهما تنشط فيه فئات اجتماعية متعددة بدءا بالمؤلفين و النساخين والطباعين
والمسفرين وانتهاء بالكتبيين ، وتسوق الكتب بأساليب تجارية حديثة ،حيث كان الناشر
يدرس الجدوى التجارية لأي كتاب قبل طبعه وطرحه في السوق .
و من جهة أخرى مكنت الطباعة من الرقي بالمكانة الإجتماعية لبعض الفئات
كالعلماء الذين اشتهرت اسماؤهم بمؤلفاتهم واشتهروا على نطاق واسع حتى أن بعضهم
استطاع أن يخلق نوعا من النفوذ الرمزي من خلال مؤلفاته كالشيخ ماء العينين.كما أفرزت فئة جديدة هي فئة الطباعين، تمكنت من فرض نفسها
كفئة متحكمة فيما ينشر في البلاد وأصبحت لهم حظوة في المجتمع كآل الازرق.
ويسرت الطباعة السلكية في نشر الاراء الاصلاحية و الافكار السياسية بين
الناس حيث ساعدت الصحف و المجلات في تغيير العقلية و الادراك السياسي للمجتمع وأثارت
ردود فعل مختلفة تجاه العديد من القضايا السياسية و الإجتماعية فبدأت بذلك الإرهاصات
الأولى لتحول مجتمعي عميق نحو الحداثة و التطور. وبهذا يمكن اعتبار الكتاب المطبوع
الأداة المساعدة التي نشرت الوعي داخل المجتمع وحولت سلوك القراءة لدى المغاربة من
سلوك ضيق كما وكيفا الى قراءة واعية، تتجاوز المواضيع التقليدية و القضايا الدينية
وتتوغل في مختلف العلوم الحديثة ومناقشة قضايا المجتمع و الدولة بشكل عام.فنجحت
الطباعة بذلك في نشر الوعي بضرورة التغيير ومكنت التيار الاصلاحي من نشر افكاره
وتوجهت بالبلاد الى التعليم الحديث ودراسة العلوم الحديثة كالطب و الهندسة و
المحاماة و الفن و الرياضة...
خاتمة
رغم ظهور
الطباعة في اوروبا وموقع المغرب القريب منها ،فإنه لم يستعمل تلك التكنولوجيا إلا
في العقد السابع من القرن التاسع عشر، ولم يرتبط هذا التاخر فقط برفض العلماء لهان
وتشبتهم بالمذهب المالكي وخوفهم على الخط المغربي –خط القران-،بل كانت مرتبطةأيضا
بغياب الحاجة إليها وضعف الطلب على الكتب
نظرا لطبيعة المجتمع البدوي في معظمه ،وغياب تعليم عصري وانشغال المخزن
بالضغوطات الأروبية المختلفة و التمردات الداخلية ،إلا أنها وبعد دخولها المغرب بدأت
تفرض نفسها شيئا فشيئا وبدأت اثارها تظهر على المجتمع المغربي شيئا فشيئا،فلقد
استطاعت ان تساعد في تطوير البنيات
الثقافية والفكرية للمغاربة و تبني تمثلا مجتمعيا جديدا لفعل القراءة ،حيث ساهم
هذا التحول في تعاطي المجتمع مع واقعه الداخلي وفي علاقته بالآخر، وشكلت أداة
مثالية لإصلاح وتحديث العديد من الميادين كان أهمها ميدان التعليم حيث أخرجته وفرة
الكتب من الطابع التلقيني التقليدي إلى تعليم عصري ونوعت من مواده ومناهجه، أما
على المستوى السياسي فقد شكلت الطباعة
سلاحا يهاب جانبه استعملته القوى السياسية لفرض ونشر أرائها وتوجهاتها ،كما اكتست
الطباعة صيغة اقتصادية خلقت نشاطا إنتاجيا جديدا ارتبطت به فئات اجتماعية عريضة
محفزة بذلك حركة التاليف و النشر و مثرية الإنتاج الفكري و العلمي للمغاربة .
[1]المعجم
الوسيط,مجمع اللغة العربية القاهرة,1998,ج2ص662.
[3] " الطباعة
بالقوالب الخشبية" ، حيث يستعمل لوح خشبي منقوش لطباعة صفحة من نص ما، وبدات
في الصين لطبع النصوص المقدسة حفاظا عليها من التغيير الذي يطالها جراء عمليات
النسخ اليدوي. و انطلاقا من الصين انتشرت هذه التقنية في الشرق الاقصى خصوصا
اليابان و كوريا.
[4] يوهانس جنسفلايش الذي اتخذ لاحقا لقب كوتنبرغ
نسبة الى البيت الذي و لد فيه من اب من اسرة ثرية و ام من اسرة عادية.
[5] تقع ماينس في مصب نهر ماين في الراين وكانت مركزا تجاريا وثقافيا مهما في تلك الفترة ازدهرت فيها
الصناعة المعدنية كصياغة الذهب و الفضة وسك الاختام و النقوذ كما اشتهرت بعصارات
العنب.
[7] مظاهر يقظة المغرب الحديث 1 .محمد
المنوني.الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر 1985.ص260-261.
[8] نفس المرجع.ص 205.
[9] حفريات حول الطباعة بالمغرب.الدكتور محمد
سديد,مجلة التاريخ المغربي,العدد2,سنة 1997م,ص 259.
[13] تتسم الطباعة الحجرية بقدر من التعقيد في عملياتها على الرغم مما يوحي
به مظهرها من بساطة، فكيف تعمل ؟ " يؤتى بالحجر الخاص و يرسم او يكتب على
سطحه الشيء المراد طبعه و تكون الكتابة بأقلام دهنية وبصورة معكوسة على الحجر
مباشرة، و كخطوة ثانية يبلل وجه الحجر بالماء و من ثم يغطى بالحبر. و اعتمادا على
التنافر الطبيعي الموجود فيما بين المواد الدهنية و بين الماء فإن الحبر لا يلتصق
على وجه الحجر إلا على الكتابة الدهنية و هكذا يكون الحجر جاهزا لعملية الطباعة
[30]"وثائق حول مهمة
المحتسب بفاس".مجلة كلية الآداب بفاس.عدد خاص.رقم2.ص.403-423.
[45]
الكندوز,الطباعة و النشر ,ص217
2 التعليقات:
ما دور الطباعة في تنشيط المجال الفكري؟
TITON - TINNBIRD.com
TITON. TINNBIRD.COM. titanium ring TINNBIRD.COM. TINNBIRD.COM. TINNBIRD.COM. titanium wedding band TINNBIRD.COM. TINNBIRD.COM. 2019 ford ecosport titanium TINNBIRD.COM. TINNBIRD.COM. TINNBIRD.COM. titanium linear compensator TINNBIRD.COM. TINNBIRD.COM. westcott scissors titanium TINNBIRD.COM. TINNBIRD.COM.
إرسال تعليق